فصل: تفسير الآيات (160- 161):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآيات (160- 161):

{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (161)}
فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا} قال الزجاج: هذا بدل من {فَبِما نَقْضِهِمْ}. والطيبات ما نصه في قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} [الأنعام: 146]. وقدم الظلم على التحريم إذ هو الغرض الذي قصد إلى الاخبار عنه بأنه سبب التحريم. {وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} أي وبصدهم أنفسهم وغيرهم عن أتباع محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ} كله تفسير للظلم الذي تعاطوه، وكذلك ما قبله من نقضهم الميثاق وما بعده، وقد مضى في آل عمران أن اختلاف العلماء في سبب التحريم على ثلاثة أقوال هذا أحدها.
الثانية: قال ابن العربي: لا خلاف في مذهب مالك أن الكفار مخاطبون، وقد بين الله في هذه الآية أنهم قد نهوا عن الربا واكل الأموال بالباطل، فإن كان ذلك خبرا عما نزل على محمد في القرآن وأنهم دخلوا في الخطاب فبها ونعمت، وإن كان خبرا عما أنزل الله على موسى في التوراة، وأنهم بدلوا وحرفوا وعصوا وخالفوا فهل يجوز لنا معاملتهم والقوم قد أفسدوا أموالهم في دينهم أم لا؟ فظنت طائفة أن معاملتهم لا تجوز، وذلك لما في أموالهم من هذا الفساد. والصحيح جواز معاملتهم مع رباهم واقتحام ما حرم الله سبحانه عليهم، فقد قام الدليل القاطع على ذلك قرآنا وسنة، قال الله تعالى: {وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] وهذا نص، وقد عامل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اليهود ومات ودرعه مرهونة عند يهودي في شعير أخذه لعياله. والحاسم لداء الشك والخلاف اتفاق الامة على جواز التجارة مع أهل الحرب، وقد سافر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهم تاجرا، وذلك من سفره أمر قاطع على جواز السفر إليهم والتجارة معهم. فإن قيل: كان ذلك قبل النبوة، قلنا: إنه لم يتدنس قبل النبوة بحرام- ثبت ذلك تواترا- ولا أعتذر عنه إذ بعث، ولا منع منه إذ نبئ، ولا قطعه أحد من الصحابة في حياته، ولا أحد من المسلمين بعد وفاته، فقد كانوا يسافرون في فك الأسرى وذلك واجب، وفي الصلح كما أرسل عثمان وغيره، وقد يجب وقد يكون ندبا، فأما السفر إليهم لمجرد التجارة فمباح.

.تفسير الآية رقم (162):

{لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (162)}
قوله تعالى: {لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ} استثنى مؤمني أهل الكتاب، وذلك أن اليهود أنكروا وقالوا: إن هذه الأشياء كانت حراما في الأصل وأنت تحلها ولم تكن حرمت بظلمنا، فنزل {لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} والراسخ هو المبالغ في علم الكتاب الثابت فيه، والرسوخ الثبوت، وقد تقدم في آل عمران والمراد عبد الله بن سلام وكعب الأحبار ونظراؤهما. {وَالْمُؤْمِنُونَ} أي من المهاجرين والأنصار، أصحاب محمد عليه السلام. {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ} وقرأ الحسن ومالك بن دينار وجماعة: {والمقيمون} على العطف، وكذا هو في حرف عبد الله، وأما حرف أبي فهو فيه {وَالْمُقِيمِينَ} كما في المصاحف. واختلف في نصبه على أقوال ستة، أصحها قول سيبويه بأنه نصب على المدح، أي وأعني المقيمين، قال سيبويه: هذا باب ما ينتصب على التعظيم، ومن ذلك {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ} وأنشد:
وكل قوم أطاعوا أمر سيدهم ** إلا نميرا أطاعت أمر غاويها

ويروى أمر مرشدهم.
الظاعنين ولما يظعنوا أحدا ** والقائلون لمن دار نخلّيها

وأنشد:
لا يبعدن قومي الذين هم ** سم العداة وآفة الجزر

النازلين بكل معترك ** والطيبون معاقد الأزر

قال النحاس: وهذا أصح ما قيل في: {الْمُقِيمِينَ}.
وقال الكسائي: {وَالْمُقِيمِينَ} معطوف على {بِما}. قال النحاس قال الأخفش: وهذا بعيد، لأن المعنى يكون ويؤمنون بالمقيمين.
وحكى محمد بن جرير أنه قيل له: إن المقيمين هاهنا الملائكة عليهم السلام، لدوامهم على الصلاة والتسبيح والاستغفار، واختار هذا القول، وحكى أن النصب على المدح بعيد، لأن المدح إنما يأتي بعد تمام الخبر، وخبر الراسخين في: {أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً} فلا ينتصب {الْمُقِيمِينَ} على المدح. قال النحاس: ومذهب سيبويه في قوله: {وَالْمُؤْتُونَ} رفع بالابتداء.
وقال غيره: هو مرفوع على إضمار مبتدإ، أي هم المؤتون الزكاة.
وقيل: {وَالْمُقِيمِينَ} عطف على الكاف التي في: {قَبْلِكَ}. أي من قبلك ومن قبل المقيمين.
وقيل: {الْمُقِيمِينَ} عطف على الكاف التي في: {إِلَيْكَ}.
وقيل: هو عطف على الهاء والميم، أي منهم ومن المقيمين، وهذه الأجوبة الثلاثة لا تجوز، لأن فيها عطف مظهر على مضمر مخفوض. والجواب السادس: ما روي أن عائشة رضي الله عنها سئلت عن هذه الآية وعن قوله: {إِنْ هذانِ لَساحِرانِ} [طه: 63] وقوله: {وَالصَّابِئُونَ} في [المائدة: 69]، فقالت للسائل: يا ابن أخي الكتاب أخطئوا. وقال أبان بن عثمان: كان الكاتب يملى عليه فيكتب فكتب {لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ} ثم قال له: ما أكتب؟ فقيل له: اكتب {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ} فمن ثم وقع هذا. قال القشيري: وهذا المسلك باطل، لأن الذين جمعوا الكتاب كانوا قدوة في اللغة، فلا يظن بهم أنهم يدرجون في القرآن ما لم ينزل. وأصح هذه الأقوال قول سيبويه وهو قول الخليل، وقول الكسائي هو اختيار القفال والطبري، والله أعلم.

.تفسير الآية رقم (163):

{إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (163)}
قوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ} هذا متصل بقوله: {يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ} [النساء: 153]، فأعلم تعالى أن أمر محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأمر من تقدمه من الأنبياء.
وقال ابن عباس فيما ذكره ابن إسحاق: نزلت في قوم من اليهود- منهم سكين وعدي بن زيد- قالوا للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أوحى الله إلى أحد من بعد موسى فكذبهم الله. والوحي إعلام في خفاء، يقال: وحى إليه بالكلام يحي وحيا، وأوحى يوحي إيحاء. {إِلى نُوحٍ} قدمه لأنه أول نبي شرعت على لسانه الشرائع. وقيل غير هذا، ذكر الزبير بن بكار حدثني أبو الحسن علي بن المغيرة عن هشام بن محمد بن السائب عن أبيه قال: أول نبي بعثه الله تبارك وتعالى في الأرض إدريس واسمه أخنوخ، ثم انقطعت الرسل حتى بعث الله نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ، وقد كان سام بن نوح نبيا، ثم انقطعت الرسل حتى بعث الله إبراهيم نبيا واتخذه خليلا، وهو إبراهيم بن تارخ واسم تارخ آزر، ثم بعث إسماعيل بن إبراهيم فمات بمكة، ثم إسحاق بن إبراهيم فمات بالشام، ثم لوط وإبراهيم عمه، ثم يعقوب وهو إسرائيل بن إسحاق ثم يوسف ابن يعقوب ثم شعيب بن يوبب، ثم هود بن عبد الله، ثم صالح بن أسف، ثم موسى وهارون ابنا عمران، ثم أيوب ثم الخضر وهو خضرون، ثم داود بن إيشا، ثم سليمان ابن داود، ثم يونس بن متى، ثم إلياس، ثم ذا الكفل واسمه عويدنا من سبط يهوذا ابن يعقوب، قال: وبين موسى بن عمران ومريم بنت عمران أم عيسى ألف سنة وسبعمائة سنة وليسا من سبط، ثم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الزبير: كل نبي ذكر في القرآن من ولد إبراهيم غير إدريس ونوح ولوط وهود وصالح. ولم يكن من العرب أنبياء إلا خمسة: هود وصالح وإسماعيل وشعيب ومحمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين، وإنما سموا عربا لأنه لم يتكلم بالعربية غيرهم.
قوله تعالى: {وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} هذا يتناول جميع الأنبياء، ثم قال: {وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ} فخص أقواما بالذكر تشريفا لهم، كقوله تعالى: {وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ} ثم قال: {وَعِيسى وَأَيُّوبَ} قدم عيسى على قوم كانوا قبله، لأن الواو لا تقتضي الترتيب، وأيضا فيه تخصيص عيسى ردا على اليهود.
وفي هذه الآية تنبيه على قدر نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشرفه، حيث قدمه في الذكر على أنبيائه، ومثله قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} [الأحزاب: 7] الآية، ونوح مشتق من النوح، وقد تقدم ذكره موعبا في آل عمران وانصرف وهو اسم أعجمي، لأنه على ثلاثة أحرف فخف، فأما إبراهيم وإسماعيل وإسحاق فأعجمية وهي معرفة ولذلك لم تنصرف، وكذا يعقوب وعيسى وموسى إلا أن عيسى وموسى يجوز أن تكون الألف فيهما للتأنيث فلا ينصرفان في معرفة ولا نكرة، فأما يونس ويوسف فروي عن الحسن أنه قرأ {ويونس} بكسر النون وكذا يوسف يجعلهما من آنس وآسف، ويجب على هذا أن يصرفا ويهمزا ويكون جمعهما يأنس ويآسف. ومن لم يهمز قال: يوانس ويواسف.
وحكى أبو زيد: يونس ويوسف بفتح النون والسين، قال المهدوي: وكان يونس في الأصل فعل مبني للفاعل، ويونس فعل مبني للمفعول، فسمي بهما.
قوله تعالى: {وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً} الزبور كتاب داود وكان مائة وخمسين سورة ليس فيها حكم ولا حلال ولا حرام، وإنما هي حكم ومواعظ. والزبر الكتابة، والزبور بمعنى المزبور أي المكتوب، كالرسول والركوب والحلوب. وقرأ حمزة {زبورا} بضم الزاي جمع زبر كفلس وفلوس، وزبر بمعنى المزبور، كما يقال: هذا الدرهم ضرب الأمير أي مضروبه، والأصل في الكلمة التوثيق، يقال: بئر مزبورة أي مطوية بالحجارة، والكتاب يسمى زبورا لقوة الوثيقة به. وكان داود عليه السلام حسن الصوت، فإذا أخذ في قراءة الزبور أجتمع إليه الانس والجن والطير والوحش لحسن صوته، وكان متواضعا يأكل من عمل يده، روى أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه قال: أن كان داود صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليخطب الناس وفي يده القفة من الخوص، فإذا فرغ ناولها بعض من إلى جنبه يبيعها، وكان يصنع الدروع، وسيأتي.
وفي الحديث: «الزرقة في العين يمن» وكان داود أزرق.

.تفسير الآية رقم (164):

{وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً (164)}
قوله تعالى: {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ} يعني بمكة. {وَرُسُلًا} منصوب بإضمار فعل، أي وأرسلنا رسلا، لأن معنى: {أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ} وأرسلنا نوحا.
وقيل: هو منصوب بفعل دل عليه {قَصَصْناهُمْ} أي وقصصنا رسلا، ومثله ما أنشد سيبويه:
أصبحت لا أحمل السلاح ولا ** أملك رأس البعير إن نفرا

والذئب أخشاه إن مررت به ** وحدي وأخشى الرياح والمطرا

أي وأخشى الذئب.
وفي حرف أبي {ورسل} بالرفع على تقدير ومنهم رسل. ثم قيل: إن الله تعالى لما قص في كتابه بعض أسماء أنبيائه، ولم يذكر أسماء بعض، ولمن ذكر فضل على من لم يذكر. قالت اليهود: ذكر محمد الأنبياء ولم يذكر موسى، فنزلت {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً} {تَكْلِيماً} مصدر معناه التأكيد، يدل على بطلان من يقول: خلق لنفسه كلاما في شجرة فسمعه موسى، بل هو الكلام الحقيقي الذي يكون به المتكلم متكلما. قال النحاس: وأجمع النحويون على أنك إذا أكدت الفعل بالمصدر لم يكن مجازا، وأنه لا يجوز في قول الشاعر:
امتلأ الحوض وقال قطني

أن يقول: قال قولا، فكذا لما قال: {تَكْلِيماً} وجب أن يكون كلاما على الحقيقة من الكلام الذي يعقل.
وقال وهب بن منبه: إن موسى عليه السلام قال: «يا رب بم اتخذتني كليما؟» طلب العمل الذي أسعده الله به ليكثر منه، فقال الله تعالى له: أتذكر إذ ند من غنمك جدي فاتبعته أكثر النهار وأتعبك، ثم أخذته وقبلته وضممته إلى صدرك وقلت له: أتعبتني وأتعبت نفسك، ولم تغضب عليه، من أجل ذلك اتخذتك كليما.

.تفسير الآية رقم (165):

{رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (165)}
قوله تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} هو نصب على البدل من {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ} ويجوز أن يكون على إضمار فعل، ويجوز نصبه على الحال، أي كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده رسلا. {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} فيقولوا ما أرسلت إلينا رسولا، وما أنزلت علينا كتابا، وفي التنزيل: {وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]، وقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ} [طه: 134] وفي هذا كله دليل واضح على أنه لا يجب شيء من ناحية العقل. وروي عن كعب الأحبار أنه قال: كان الأنبياء ألفي ألف ومائتي ألف.
وقال مقاتل: كان الأنبياء ألف ألف وأربعمائة ألف وأربعة وعشرين ألفا.
وروى أنس بن مالك عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «بعثت على أثر ثمانية آلاف من الأنبياء منهم أربعة آلاف من بني إسرائيل» ذكره أبو الليث السمرقندي في التفسير له، ثم أسند عن شعبة عن أبي إسحاق عن الحارث الأعور عن أبي ذر الغفاري قال: قلت يا رسول الله كم كانت الأنبياء وكم كان المرسلون؟ قال: «كانت الأنبياء مائة ألف نبي وأربعة وعشرين ألف نبي وكان المرسلون ثلاثمائة وثلاثة عشر».
قلت: هذا أصح ما روي في ذلك، خرجه الآجري وأبو حاتم البستي في المسند الصحيح له.